عيد الأضحى والجمعة في الحرم- التيسير أم التشدد وحفظ النفوس؟

المؤلف: نجيب يماني09.12.2025
عيد الأضحى والجمعة في الحرم- التيسير أم التشدد وحفظ النفوس؟

يحلّ عيد الأضحى المبارك هذا العام 1446 هـ يوم الجمعة الموافق للعاشر من ذي الحجة، وبناءً عليه، فإن إقامة صلاة الجمعة في المسجد الحرام في هذا اليوم لا تجوز، إذ تتعارض مع الأصل المقرر، استناداً إلى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اجتماع عيدين في يوم واحد.

لا تزال صورة الحرم المكي حاضرة في ذهني، وتحديداً ما جرى في العام الهجري 1430، عندما وافق عيد الأضحى يوم الجمعة. حينها، صلى الناس في الحرم المكي متراصين، رجالاً ونساء، في صحن الطواف، بسبب استحالة الركوع والسجود نتيجة للازدحام الشديد الذي شهده ذلك اليوم، وظلّ خطر الموت يتهددهم حتى نهاية الصلاة.

فهل هذا التلاحم الشديد – مع إضافة إقامة الصلاة إليه – يندرج ضمن التيسير ورفع الحرج الذي يهدف إليه الشرع الحكيم في جميع العبادات، وخاصةً في الحج، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يردد في يومه "افعل ولا حرج" لكل من فعل شيئاً؟

أليس هذا من صميم التيسير والتخفيف عن المسلمين، وفيه إشارة واضحة إلى رفض التشدد والتعصب، وعدم إهمال المقاصد الكبرى والأصول العظيمة التي تزخر بها صفحات الوحيين، وفي طليعتها حفظ النفس؟

بل إن بعض هذه التشددات يتعارض مع الأصل في الأحكام الفقهية، فالأصل في صلاة الجمعة إذا وافقت يوم عيد ألا تُصلى، وتُستبدل بها صلاة الظهر. وقد روى أبو داود في السنن عن عطاء بن أبي رباح: "صلى بنا ابن الزبير في مكة يوم عيد في يوم الجمعة أول النهار، ثم رحنا عند الظهيرة إلى صلاة الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا صلاة الظهر وحدانا. وكان ابن عباس في الطائف. فلما قدم ذكرنا له ذلك فقال: أصاب السنة". وعطاء هو من أعلم الصحابة بأحكام المناسك، وابن عباس هو حبر الأمة وفقيهها، وحكمهما يتفق مع حكم الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم صلاة الجمعة في يوم العيد.

فكيف تجوز مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأداء صلاة الجمعة في يوم العيد، وفي يوم يرى فيه الموت ماثلاً بسبب الازدحام الشديد، فضلاً عن صعوبة الركوع والسجود؟!

إنها كتل بشرية متراصة، يحيط بها الموت في صحن الطواف، والرجال والنساء متلاصقون، بينما الإمام يقف في المكبرية يصلي بهم، آمناً بعيداً عن الأخطار والمشاق التي يعاني منها المسلمون أمام عينيه.

لقد بذلت الدولة جهوداً مضنية لتوسعة المكان بهدف استيعاب أكبر عدد ممكن من الحجاج، ونحن ننتظر تفعيل التوسعة الفقهية.

فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم، لمجرد نزول قليل من المطر أو هبوب العواصف أو اشتداد البرد أو وجود الوحل في الطرقات، يأمر بلالاً أن يقول في الأذان "صلوا في رحالكم" بدلاً من عبارة "حي على الصلاة".

وقد قصر وجمع عليه الصلاة والسلام أربع صلوات في المدينة من غير سفر ولا مرض ولا مطر ولا برد، وعندما سُئل عن ذلك، قال: "لكي لا أشق على أمتي"، فهل هناك مشقة أعظم من مواجهة الموت في صحن الطواف؟!

إن الواجب إزاء هذه التهلكة وهذا العذاب هو عدم إقامة الصلوات المفروضة في المسجد الحرام في جماعة، بدءاً من فجر يوم العيد وحتى فجر يوم الثالث عشر من ذي الحجة، والتوجه إلى مساجد مكة المكرمة، فكل أرضها حرم، ويجوز إقامة الجمع والجماعات في هذه المساجد بدلاً من المسجد الحرام.

في الماضي، كان بعض اليافعين والصغار ينتشرون على جسر الجمرات يوم النفرة الأولى من منى، وبأيديهم مكبرات الصوت، يصرخون في الحجاج محذرين إياهم من الرمي قبل الزوال، مما أدى إلى تكدس الحجاج في وقت الظهيرة، ثم يتدافعون عند الزوال، ويبدأ الزحام والسقوط الذي يودي بأرواح الأبرياء بسبب هذه الفتاوى المتشددة. وبعد تكرار إزهاق آلاف الأرواح على جسر الجمرات، أجازوا الرمي قبل الزوال!

فهل سيتكرر هذا المشهد المأساوي في الحرم المكي، وتحدث كارثة لا قدر الله وسط هذا الزحام والتكدس؟

وهل سيتم عندها ترك صلاة الجماعة في المسجد الحرام خلال هذه الأيام؟!

من الضروري أيضاً أن تنبه مؤسسات الطوافة حجاجها إلى ضرورة قصر وجمع الصلوات طيلة إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة، فهذا هو الحكم الشرعي. وقد قال عليه الصلاة والسلام في فتح مكة: "يا أهل مكة أتموا، فإنا قوم سفر"، وقد أقام عليه السلام فيها تسعة عشر يوماً يقصر ويجمع. فلو اتبع الحجاج هذا الهدي النبوي، لانخفض هذا التلاحم والتزاحم في أماكن العبادة إلى النصف تقريباً.

إن قصر الصلاة وجمعها هو عزيمة عند جمهور العلماء، والعزيمة تعني أن هذا القصر والجمع واجب في حقهم.

ويرى الحنفية والشافعية أن من أتم الصلوات في السفر فقد أساء، وعليه الإعادة حتى لو خرج وقتها. وقد اختلف الفقهاء في مسألة جواز القصر والجمع إذا كان المسافر مقيماً في بلد مثل حال الحجاج إلى أكثر من اثني عشر قولاً، فقيل إنه يجوز القصر إن نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام بلياليها.

وقيل بل يقصر أبداً حتى يرجع إلى موطنه الذي خرج منه ما لم ينوِ الاستيطان.

وليس لأي من هذه الأقوال التي تحدد أكثر مدة للقصر أصل في الشرع، لا في حديث صحيح ولا ضعيف ولا حتى موضوع.

يقول ابن تيمية: من جعل للمقام حداً من الأيام إما ثلاثة أو أربعة أو عشرة.. فإنه قال قولاً لا دليل عليه من جهة الشرع، فالأصل هو الرجوع إلى العلة وهي السفر، وهذه العلة ملازمة لجميع الحجاج. ولقد أقام ابن عمر في أذربيجان ستة أشهر يجمع ويقصر في الصلوات، وأقام أنس بن مالك سنتين في نيسابور يقصر ويجمع.

فالواجب هو الأخذ بالأيسر والأسهل، وهذا ما يصبو إليه الشرع الحنيف من تيسير ورحمة للعباد، بعيداً عن التشدد والغلو والعناد، فالحكومة لم تقصر مع ضيوف الرحمن، ولكنها محكومة بجغرافية المكان، ويبقى على العلماء الأخذ بالأيسر حتى تتضافر الجهود ويخرج الحج بالصورة التي يرتضيها ولي الأمر ويسعى إليها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة